كن أنت الرسالة: من وهم الاستحقاق إلى يقظة الفعل الواعي
في رحاب القاعة العامة في الأكاديمية الدولية (AIA)، انطلق حوار ثري وعميق جسّد المقولة الخالدة: “كن أنت رسالتك قبل أن تقولها”. هذا النقاش لم يكن مجرد تبادل للآراء، بل كان تفكيكاً منهجياً للعلاقة الجدلية بين الهوية (الكيان) و الخطاب (القول)، مؤكداً أن التجسيد الشخصي للقيم يسبق البيان اللفظي في قوة التأثير والإقناع.
أصداء الحوار: تجسيد الرسالة وأولوية الفعل
بدأت الدكتورة جواهر هبهم (المغرب) بطرح الإشكالية الجوهرية حول فاعلية الرسالة، وتساءلت عن مدى تأثير تجسيد القيمة في سلوك المتحدث على قوة الرسالة وتأثيرها في المتلقي. وأشارت إلى أن القول بلا فعل يصبح مجرد “كلام مُرسَل”، مؤكدة أن التوافق بين الهوية الشخصية والرسالة المعلنة هو أساس بناء المصداقية والثقة.
تلاها تعقيب من الدكتورة إلهام (المغرب)، مدربة معتمدة دولياً، التي لخصت الأمر بالدعوة إلى تحديد رسالة واعية، عميقة، صادقة، وعملية، والعيش وفقاً لها لإلهام الآخرين.
وشددت نجاة بنعلي (المغرب) على أن الرسالة تسكن في الصدق والعمل الذي يشهد لنا قبل اللسان، وأن النية الصافية هي أصل الرسالة، والعمل الصالح هو ثمرتها.
كما أكدت المدربة المعتمدة دولياً واللايف كوتش سارة العرب (لبنان) أن الناس يتأثرون بما نفعله أكثر مما نقول، وأن التجسيد العملي هو أقصر طريق للإقناع، حيث أن الرسالة الحقيقية لا تُقال بل تُرى في طريقة الحياة.
تحدي التجسيد: القدوة والكوتش الناهض
نقلت الماستر لايف كوتش فاطمة القماح (المغرب) النقاش إلى مجال الكوتشنغ، معتبرة أن العبارة تضع الكوتشز أمام مرآة: ما الجدوى من رفع شعارات عن الالتزام دون تطبيقه؟ وأن القدوة هي أقوى أدوات التأثير. وضربت مثالاً بمدرب يتحدث عن الالتزام بالمواعيد لكنه يتأخر، لتخلص إلى أن رسالته تسقط.
في مشاركة ملهمة، قدمت الكوتش والمدربة خديجة قصباوي (المغرب) رسالتها الشخصية كقدوة، بصفتها من ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكدة أن الإعاقة في العقل وليس في الجسد، وأن هدفها هو تحفيز أطفال ذوي الهمم على الرضا والإيمان بأنهم يستطيعون ترك أثر جميل.
فلسفة الاستحقاق الحقيقي: نهج “إنهض بذاتك”
شهد النقاش نقطة تحول عميقة مع مداخلة المدرب الدولي الدكتور عبد القادر العداقي، الذي قدم رسالته تحت عنوان “كن أنت الرسالة صديقي الناهض بذاته”. وجه الدكتور العداقي نقداً بناءً لـ “وهم الاستحقاق” القائم على التمني وكثرة الترديد دون فعل، وهاجم “إدمان الشفقة السلبية” على الذات.
ولخص الدكتور العداقي قواعد الاستحقاق الحقيقي في أربع مرتكزات ضمن نهجه “إنهض بذاتك أنت لم تولد لتكون لاشيء”:
* أن تفكر جيدًا.
* أن تتحدث جيدًا (بوعي).
* أن تعمل جيدًا (الإخلاص).
* أن تدفع الثمن جيدًا (مال – وقت – جهد – تعب ألم مشقة… إلخ).
ثم جاءت الردود التفاعلية التي أثنت على هذا الطرح:
* الماستر لايف كوتش فاطمة القماح أيدت فكرة أن الطريق قد يقود لهدف أفضل لم يكن في الحسبان، وأن الشفقة المفرطة لا تبني إنساناً.
* الدكتور عبد القادر العداقي أكد أن النية الصافية والإخلاص هما معززات الاستحقاق ورؤية هدايا الطريق.
* الدكتورة إلهام ربطت كلمات الدكتور العداقي بأهمية المرونة النفسية وتركيز التفكير الإيجابي الممزوج بالعمل والتطوير.
وقدمت الدكتورة جواهر هبهم تحليلاً عميقاً وشاملاً لطرح الدكتور العداقي، واصفة إياه بـ “منهجية واضحة للنهوض بالذات”، وفككت خطر “إدمان الشفقة السلبية” على النفس. ورد الدكتور العداقي مؤكداً أن الاستحقاق لا يقاس بـ “الصفات الموروثة” (كالجمال أو الذكاء)، بل “بالعلم الذي يثمر عملاً، والعمل الذي يُبنى على علم”، ليولد الاستحقاق الحقيقي.
واختتمت اللايف كوتش آسية زهري (المغرب) النقاش بتقديرها للطرح، مؤكدة أن “أنا أستحق لا تعني شيئاً دون عمل جاد” وتقبل للتحدي ودفع للثمن، مجددة شعار “انهض بذاتك أنت لم تولد لتكون لاشيء”.
إن هذا الحوار عكس جوهر الرسالة الأكاديمية والتدريبية: أن الكيان قبل الخطاب، وأن الاستحقاق ليس امتيازاً سلبياً بل نتيجة عادلة لجهد واعٍ ومنظم.
لا تعليق