فن الموازنة السعيدة: العمل كقيمة، والحياة الزوجية كاستثمار لا يضيع ⚖️

في عصر السرعة وتداخل الأدوار، لم يعد النجاح يُقاس بالإنجاز المهني فقط، بل بالقدرة على تحقيق الانسجام بين الطموح المهني ودفء العلاقة الأسرية. هذا التوازن، الذي كان محور النقاش في قاعة DFMC ضمن د. المستشار الأسري والزواجي بأكاديمية الدكتور عبدالقادر العداقي الدولية (AIA)، ليس ترفاً، بل ضرورة حضارية لاستدامة الرضا والاستقرار.
لقد استعرض المشاركون الأفاضل الموضوع من زوايا متعددة، تراوحت بين التحديات المجتمعية العربية والنظرة الفلسفية والسيكولوجية لمفهوم التوازن.

التحديات والواقع: من الطموح إلى الإرهاق

أشارت د. خديجة مفتوح (المملكة المغربية) إلى أن المفهوم في المجتمعات العربية ما زال يمجّد الإرهاق ويربط القيمة الإنسانية بحجم العطاء المهني، مما يجعل العامل محاصراً بالضغوط. وأكدت على استنزاف المرأة على جبهتين: العمل والدور الأسري، وغياب سياسات العمل المرن، داعيةً إلى التحول بـالاعتراف بأن العمل قيمة وليس عبودية.
ووضحت غزلان ديواني (المغرب) أن اختلال التوازن هو أحد أغلب مشاكل العلاقات الزوجية، مؤكدةً على أن إدارة الوقت هي وعي بالأولويات وتوزيع عادل للجهد. وسردت التحديات الأبرز: ضغط ساعات العمل الطويلة، تداخل التكنولوجيا والحياة الخاصة، وضعف مهارات التواصل.
وأكدت الماستر اللايف كوتش سارة العرب (لبنان) أن التحدي يكمن في الصراع بين الدور المهني (هوية وتحقيق ذات) والدور الأسري (أمان عاطفي وانتماء)، وأن غياب التوازن يؤدي إلى الإهمال الزوجي والإنهاك المزمن.
من جهتها، شددت اللايف كوتش ماريا تيجه مبارك المرابطي (المغرب) على أهمية الإدارة الفعالة للوقت ووضع حدود واضحة (زمانية ومكانية) بين العمل والبيت، واكتساب فن الانفصال الذهني، مشيرةً إلى تحدي الأدوار المشتركة وغياب الاتفاق، ومنافسة الهواتف الذكية على انتباه الشريك.
كما أضاف الكوتش محمد فيصل فتيتي (الجزائر) أن التوازن ليس معادلة ثابتة بل عملية تكيف مستمرة، مقدماً وصايا عملية مثل تحديد الأولويات والتواصل الفعال.

التوازن: هل هو وهم أم ضرورة؟ (الزاوية الفلسفية والسيكولوجية)

قامت د. جواهر هبهم (المغرب) بـتفكيك الأطر التقليدية، متسائلة: “هل هذا التوازن موجود أصلًا؟” واعتبرت أن السعي المُضني لتحقيق التوازن المثالي هو في حد ذاته مصدر الضغط الأكبر (وهم الكمال)، وحذرت من تحول الوقت المشترك إلى اقتصاد زمني سام ومحاسبة.
وقدمت د. جواهر تحليلاً سيكولوجياً عميقاً للعمل كـشريك ثالث مُتَخَفٍّ في العلاقة، حيث يتحول الصراع إلى صراع هويات (“من هو الأهم؟”). واقترحت أن يكون التوازن الصحي هو التذبذب الواعي وتقبُّل طغيان أحد الجوانب في أسابيع محددة، والحل يكمن في دمج الهويات (أن يُقدِّر الشريك الآخر إنجازاته المهنية كجزء من هويته الزوجية).
أما د. صباح المنصوري (تونس)، فقد طرحت وجهة نظر جريئة تستند إلى الفطرة، متسائلة: “كيف نبحث عن التوازن في شيء غير متوازن؟” ورأت أن ما نسميه اتزان اليوم هو حلول مؤقتة، مشيرةً إلى ظاهرة عودة آلاف النساء العاملات في الغرب لمنازلهن، معتبرة أن المرأة هي أعظم كائن ظُلم نتيجة البرمجة على المساواة المغلوطة.
وفي المقابل، أكد الدكتور عبدالقادر العداقي على أهمية مناقشة هذا الموضوع مع تزايد ضغوط العمل والميل نحو الفردانية واعتبار النجاح المهني هو المقياس الوحيد، لدرجة العزوف عن الزواج.

استراتيجيات الحل والجودة في الحضور

قدّمت الماستر لايف كوتش فاطمة القماح (المغرب) تجربة شخصية مؤثرة مع زوجها الذي يعمل في قطاع يتطلب أوقاتاً غير عادية، موضحة أن التوازن تحقق عبر وعي الزوجة بمسؤولية الزوج كرسالة، وبأن دعمها جزء من نجاحه. وأكدت أن التوازن ليس بالكثرة الزمنية، بل بـالجودة في الحضور واللحظات الصادقة.
وركزت الكوتش خديجة قصباوي على أن التوازن فن إدارة الأولويات والعواطف، واقترحت استراتيجيات عملية مثل التخطيط المسبق، والاجتماع العائلي الأسبوعي لمناقشة الأوضاع، مشددة على أن الوقت المُقدّم بحب هو أقصى درجات الاهتمام.
واقترحت د. جواهر هبهم تحويل الساعة المخصصة للأنشطة المشتركة إلى طقس سري بـ”نية نحن ضد العالم”، وحظر كلمات معينة (عمل، مال، أطفال) وجعل الأنشطة تحدياً مشتركاً وغريباً لخلق ذكريات غير تقليدية.

> اقتباس الدرس: الوقت للأحبة استثمار لا يضيع.
>

خلاصة القول: التوازن ليس تقسيم الوقت بالتساوي، بل هو الحكمة في إرضاء متطلبات كل جانب دون إهمال الآخر، مع ضرورة الوعي بـالقيمة الحقيقية للبيت والأسرة كمنارة للدعم والطمأنينة التي تمنح الطاقة لمواجهة ضغوط العمل.

شكر وتقدير للمشاركات القيمة

نتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل المشاركين في هذا الحوار الثري والملهم الذي أثرى قاعة DFMC:
* د. خديجة مفتوح (المملكة المغربية)
* غزلان ديواني (المغرب)
* د. جواهر هبهم (المغرب)
* المدرب الدولي الدكتور عبدالقادر العداقي
* أ. سعيده طيب (تونس)
* الكوتش محمد فيصل فتيتي (الجزائر)
* الماستر اللايف كوتش فاطمة القماح (المغرب)
* الماستر اللايف كوتش د. صباح المنصوري (تونس)
* اللايف كوتش أ. ماريا تيجه مبارك المرابطي (المغرب)
* د. إلهام (المغرب)
* المدربة والمعتمدة دولياً واللايف كوتش سارة العرب (لبنان)
* الكوتش والمدربة قصباوي خديجة (المغرب)
* عضو إدارة AIA (الذي قدّم المحتوى الأساسي وناقش موضوع الفحص النفسي).
شكراً جزيلاً لكم جميعاً على هذا التفاعل القيّم الذي يخدم الهدف النبيل لدبلوم المستشار الأسري والزواجي.

نعم.لشعار.العداقي.المتميز.cc
إنهض.بذاتك.انت.لم.تولد.لتكون.لاشيء.cc
دمتم.جميعا.بخير.cc
✍بقلم/د.منور عبدالرقيب الصنومي — اليمن
حرر بتاريخ ٩ ربيع ثاني ١٤٤٧ هجرية الموافق ١ أكتوبر ٢٠٢٥م

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *